من هم “كناوة”؟ وماهي طقوسهم؟ وكيف تتم مفاوظاتهم مع الارواح والجن ؟

مارس 21, 2023

من هم “كناوة”؟ وماهي طقوسهم؟ وكيف تتم مفاوظاتهم مع الارواح والجن ؟

1- من هم “كناوة” وماهي طقوسهم وممارساتهم وتفاوضهم مع الارواح  والجن ؟

- زيارة قصيرة لعوالم التصوف الشعبي بالمغرب :

في كل عام ، يكرم مهرجان كناوة والموسيقى العالمية التراث الموسيقي لمجتمع ترتكز جذوره على معتقدات الأجداد. التاريخ والطقوس الصوفية والآلات الموسيقية.

في هذه المساهمة المتواضعة، واستحضارا منا لواقع التعدد والتنوع على مستوى هذه الطرق الصوفية بالمغرب – خاصة الشعبية منها (الحمدوشية، العيساوية، الهداوية والكناوية) – سنكتفي بتقديم النموذج لهذه الأخيرة “الكناوية” لما تثيره طقوسها حقا من أسئلة ملحة، سواء تعلق الأمر بطابع الغرابة الذي يميزها، أو بما تستقطبه من اهتمام كبير لدى شرائح واسعة من فئات المجتمع المغربي. 

أو بما يعتقد حولها من أمور خارقة قد تجد تعبيرها الحي هنا في مفهوم “البركة”.. فمن هم كناوة إذن؟ وما طبيعة الطقوس التي تمارس في إطار هذه الطائفة الصوفية؟ وما هي المرجعية القيمية التي تستند إليها هذه الطقوس؟ وهل هناك من “منطق” رابط بين “لاعقلانية الطقوسي” و”معقولية الطلب الاجتماعي”؟ وكيف يمكن تفسير استمرارية هذه الطقوس والممارسات برغم ما تثيره اليوم من ردود فعل قوية ومن مقاومات؟؟

2- لمحة تاريخية عن كناوة :

كل شيء يبدأ بقصة بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء ...كان السلطان أحمد المنصور، عائداً من رحلة استكشافية إلى مملكة سونغاي (جنوب السنغال، تشاد، مالي) إلى وطنه في نهاية القرن السادس عشر بقافلته المحملة بالذهب وعدة آلاف من العبيد، سيستقر بعضهم في منطقة موغادور. . حيث امتزجت تقاليد كناوة الأولى ("قناوة") بمرور الوقت مع التأثيرات المحلية العربية الإسلامية والبربرية، والإفريقية الحازمة والتي يمكن العثور عليها اليوم في موسيقاهم.

في الواقع، لا يمكن فهم هذه الطقوس سواء كممارسات أو كنسق من الرموز والقيم والمعتقدات التي تمنحها منطقها لدى ممارسيها، من دون التعريف أولا بالطائفة الكناوية، وبالسياق التاريخي والاجتماعي الذي أطر نشأتها وتجدرها أيضا كطائفة صوفية محسوبة على تيار ما يعرف بـ”التصوف الشعبي” بالمغرب.

أخوية الصويرة هي الأكثر نشاطًا في البلاد وواحدة من القلائل الذين لديهم زاوية ومركز ديني وملاذ: زاوية سيدنا بلال (كناية على سيدنا بلال مؤذن النبي محمد (ص)).

3- الليلة الكناوية أو ليلة الملوك :

الليلة ليست سوى جزء صغير من طائفة معقدة ذات رموز ورموز معروفة فقط للمبتدئين، تسمى "derdeba". طقوس كناوة تطالب بالإسلام منذ نشأتها يتبع المعالجون تعاليم سيدنا بلال. المؤذن الأسود للنبي محمد (ص) الذي كان سيأمر: "اذهب يا بلال وحيث تضع يديك ستعالج".

لتوضيح الصورة أكث، وفي علاقة ببعض الطقوس الاستشفائية كما درجت الطائفة الكناوية على ممارستها، (خاصة فيما يتعلق بحالات المس والسحر)، لا بد من الوقوف على نموذج من هذه الممارسات في شخص ما يعرف لدى هذه الطائفة بـ”الليلة الكناوية” أو “ليلة الملوك” 

حيث يتم فيها استحضار ملوك الجن لأجل التفاوض معهم توسلا لتدخلهم بغرض المساعدة على العلاج أو لتصفية الحسابات ( سيدي شمهاروش، لالة ملكية، لالة ميرة، سيدي حمو، لالة جميلة، سيدي ميمون، لالة عيشة…).

باختصار شديد، تتخذ الليلة الكناوية صيغة نزول أو هبوط متدرج يخضع لإيقاعات الموسيقى ولحركات الجسد المملوك ولتراتبية الألوان.... وتسمى عملية “النزول” هذه لدى العارفين بأحوالها بـ”الدردبة” أو “الدرديبة”، وربما تبرز هنا واحدة من نقاط الاختلاف الجذري بين تصوف “عالم” يقوم على فكرة المعراج، كصعود وارتقاء نحو الأعلى “السماء” وبين تصوف “شعبي” يكرس لرحلة عكسية نحو “التحت” حيث عالم الجن.. 

تلعب الألوان – كما الإيقاعات الموسيقية – دورا حاسما في ضبط عملية النزول أو “الدردبة”، بحيث أن كل لون يوازي “مقاما” أو “محلة” من المحلات العشر التي ترسم الرحلة الطقوسية الكناوية لاستحضار “ملوك الجن”. هناك سبعة ألوان أساسية تنضاف إليها ثلاثة أخرى – كمزج بين بعضها – حتى يتناسب عدد الألوان مع عدد المحلات: (محلة الأبيض، الأسود، الأزرق، الأحمر، الأخضر، الأصفر، البنفسجي، ثم المبرقش، ثم الأبيض والأسود، والأبيض والأصفر).

4- كيف تتم الطقوس “الكناوية” والتفاوض مع الأرواح ؟

كما أن لكل لون أصحابه من ملوك الجن (وأصحاب الحال)... تبدأ الليلة بالفاتحة وبذكر الله وأوليائه الصالحين، فيكون ذلك تمهيدا لـ (محلة البويض) أصحاب اللون الأبيض حيث يتم النداء على “م.عبد القادر الجيلالي”؛ ثم تأتي (محلة الكوحل) أصحاب اللون الأسود، خاصة في جذبة “المس”، حيث يتم النداء على “سيدي بلال” كرمز مقدس، وأيضا على “س.يدي ميمون” و”لالة.ميمونة” ككائنين مختلطين؛ وفي نفس السياق أيضا تأتي (محلة الزرق) أو “السماوي”. 

ليتم النداء على “سيدي موسى”؛ وبعدها تصل الدردبة إلى (محلة الحمر)، أو (أولاد بلحمر) لتتم المناداة على “سيدي حمو” و”سيدي حمودة”... وجدير بالذكر أن هذه المحلة مشروطة بإراقة الدم لإرضاء الملوك (أصحاب الكرنة)، سواء أكان دم الذبيحة (تيس أسود) أو دم الجسد المجذوب كجسد طقوسي يستعير رمزية الذبيحة (القربان)، فيما يمكن أن نصطلح عليه هنا بـنوع من “العنف الأضحوي” (ضرب المجذوب جسده بسكين أو آلة حادة لإسالة الدم)....

يُعلَن عن طريق الطبول (الجانج)، المعلم هو سيد الاحتفالات، الذي يستحضر الأرواح بالغناء والعزف على الكمبري. هذه الآلة المركزية، وهي آلة باس تقليدية بثلاث أوتار  مصنوعة من خشب التين وجلد الإبل. الموسيقيون والمغنون والراقصون الآخرون يرنون بأيديهم الأفاعي الجرسية، أو القرقب، هذه الصنج المزدوج، الذي يشبه الصنوج الكبيرة، التي تجعل إيقاعها المعدني النابض واضحًا إيماءة الرأس والأجساد.

كل شيء في “ليلة الملوك” هذه يخضع لإيقاع مضبوط.  فالموسيقى تتوزع هنا وفق إيقاعات متدرجة، بحيث كل إيقاع يتناسب مع (محلة خاصة)، وكل محلة هي حضور لملك من ملوك الجن السبعة، وكل لون من الألوان السبعة هو تعريف بأحد هؤلاء الملوك، وكل ملك مسؤول عن نوع خاص من الأذى (المس، العقم، السحر، العجز الجنسي…) 

ولكل ملك نوعه المفضل من البخور، وفي كل محلة يكتب الجسد “المجذوب” لغته الخاصة وهو في لحظة سفره الطقوسي بحثا عن الشفاء والاقتلاع من الضيق.. كل هذا يتم تحت إشراف “المعلم” الكناوي (الذي يضبط الليلة على إيقاع آلة “الهجهوج” التي يعزف عليها)، وتساعده وسيطة روحية (شوافة أو عرافة) مهمتها تيسير سبل التواصل مع ملوك “المحلات”




مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ لب الجمال beauty sinter